الكاتب: مأمون عتيلي
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ممتعض جدا هذه الأيام من الموقف الفلسطيني المتعلق بضرورة قيام إسرائيل بوقف كافة النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، كشرط لاستمرار العملية التفاوضية بين الجانبين.
فحسب نتنياهو فان مثل هذا الشرط يعتبر تحديدا مسبقا لنتائج المفاوضات بين الجانبين الشيء الذي يمكن أن يخالف الأصول التفاوضية بين المتخاصمين الذين يرغبون بالتوصل لحل هذا الخصام، والشيء الذي يمنعه من العودة لطاولة المفاوضات هو الأخر.
فمن يرغب فعلا أن يبقي الأمر معلقا والخصومة قائمة فهو الطرف الذي يفرض شروطا مسبقة ويعقد المفاوضات قبل بدئها ويثقل خصمه بهذه الشروط، الشيء الذي يجعل الخصم يرفض الدخول بالمفاوضات.
من يستمع لموقف نتنياهو هذا ولا يعلم حقيقة مواقف هذا الرجل من الفلسطينيين والعملية التفاوضية معهم وممارساته منذ دخل الحياة السياسية في إسرائيل في العقد الأخير من القرن الماضي، والتي عكستها الرسالة التي تلقاها في العام 1997 من الملك الراحل حسين بن طلال كتبت بخط يد الأخير ونقلها رئيس الديوان الملكي الهاشمي ووصفت بشديدة القسوة، والتي كشف عن وجودها مؤخرا، تركزت على ممارسات نتنياهو ونواياه المبيتة والمعلنة لإبقاء المنطقة على حافة الهاوية، ويمكن للبعض أن يظن أن هذا الرجل أي نتنياهو هو رجل منصف محب للحق ولديه من النوايا الحسنة ما يملأ الكون لكن خصومه الفلسطينيين هم العقبة في طريقه.
صفاقة هذا الرجل تجاوزت كل صفاقة، فهو يظن أن العالم غبي لا يعلم ما يدور فعلا في هذه المنطقة ويحاول أن يظهر أن لدى إسرائيل الرغبة الحقيقية بالبدء فورا بالمفاوضات لكن العقبة الحقيقية هم الفلسطينيون بشروطهم المسبقة المدمرة.
يتجاهل نتنياهو بتصريحاته هذه حقائق لا يمكن تأويلها، وخصوصا ما يتعلق بحظر القانون الدولي أن تقوم دولة الاحتلال، وهي هنا إسرائيل وليس السلطة الفلسطينية، بأي تغيير ومن أي نوع كان في الأراضي التي تقوم باحتلالها، إلا إذا كانت هذه الإجراءات لصالح سكانها الذين يخضعون للاحتلال، لكن عملية بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس ونقل المستوطنين للسكن فيها لا يمكن أن تعتبر بأي حال من الأحوال خطوات يمكن أن تسهم في رخاء الفلسطينيين والتوسعة عليهم بل بالعكس.
وكذلك فان استمرار عملية البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل دولة الاحتلال تعبر عن سياسة استعمارية خالصة لتكريس بقاء الاحتلال على هذه الأراضي التي وحسب الاتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب أن تكون الأراضي التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية المستقلة.
تصريحات هذا الرجل تثير عصبية كل من يقرأها أو يستمع إليها، فبوصفه لشرط الفلسطينيين وقف عمليات الاستيطان من قبل إسرائيل للعودة لطاولة المفاوضات معها بأنه تحديد مسبق لنتائج هذه المفاوضات، فهو يسرق ما يجب على الفلسطيني أن يعبر عنه لا هو بأن إسرائيل باستمرارها ببناء المستوطنات تحدد مسبقا نتائج هذه المفاوضات وشكل الدولة الفلسطينية إن قامت.
نتنياهو وغيره من رؤساء وزراء إسرائيل ما فتئوا يقومون، ومنذ بدء عملية التفاوض مع الفلسطينيين، بتغيير الحقائق على الأرض ويفرضون نتائج هذه العملية مسبقا من خلال الجرافات وشركات البناء والجدران الحجرية والإسمنتية، وكلهم مجمعون أن الضفة الغربية والقدس هي قصة كل يهودي.
مثل هذه التصريحات تؤكد على الفكرة بأن كافة قادة إسرائيل لم ولن يكونوا جادين يوما في الوصول إلى حل سياسي يمكن أن يؤدي إلى قيام دولتين، "يهودية وفلسطينية"، ويتخذون من المفاوضات ذريعة لاستمرار احتلالهم وتوسعهم في كافة الأراضي المحتلة بما فيها لقدس والتملص من كافة التزاماتهم بحجة أن التزامهم بها يمكن أن يعكر بدء واستمرار ونتيجة المفاوضات.
وذلك مع التأكيد على أن إسرائيل لن تقبل يوما بإطعام الفلسطينيين أي جزء من الكعكة حتى لو كانوا معصوبي العيون دون مفاوضات، فالمفاوضات مع الفلسطينيين وسرقتهم من خلالها أصبحت نهجا وطريقة حياة لكافة السياسيين الإسرائيليين وعصب بقائهم