الكاتب: د. أسامة عثمان.
بين الحركتين من المشتركات السياسية أفكار مهمة, فكلا الحركتين انخرط فعليا في سلطة تحت سقف أوسلو, في الضفة الغربية المحتلة, وفي غزة غير المحررة من التحكم الإسرائيلي الواضح, وفي هذا قفز عن حقيقة واضحة, وهي أن لا وجود لسلطة حقيقية تحت حراب الاحتلال.
وكلا الحركتين تقبل بالتعلق, بارتباطات دولية, أو إقليمية, لا يجادل الطرفان في أنها ليست إلا من باب الضرورة, والانصياع للأمر الواقع, وأمر حركة فتح واضح, ولا تخفيه, وأما حركة حماس فلربما جادلت في أن ارتباطاتها لا تؤثر في قرارها, وهذا أمر يصعب قبوله؛ إذ لا شيء في عالم العلاقات السياسية اليوم، يقدم لوجه الله تعالى, وليس من اليسير على حركة تتخذ من دول عربية, أو ( إسلامية) مقرا, وداعما, أن تمتلك نصاعة واستقلالا في القرار.
وفي المشروع السياسي تشترك الحركتان في القبول بالحل المرحلي بدولة في حدود 67م, ولكن حماس لا تعلن اعترافا صريحا بإسرائيل, وإن كانت قيادات فيها صرحت مرارا بموافقتها على المبادرة العربية, مع بعض التحفظات, كما وافقت حركة حماس على وثيقة الوفاق الوطني التي تقبل بالأوضاع والمرجعيات المطروحة, وإن كان بلغة عامة ومجملة. وحين غلّبت حماس منطق المصالحة و(الواقعية) أبدت احتراما لاتفاقات التي وقعتها السلطة, مع أن هذا في عرف الحركة الإسلامي, يعد تنازلا واضحا؛ إذ كيف تحترم حركة إسلامية مقاومة-, تريد تحرير فلسطين من النهر إلى البحر, وتسعى أيضا إلى مقاومة تصفية القضية- كيف تحترم اتفاقات تعترف بإسرائيل, وتلتزم بالعيش إلى جانبها بسلام؟!
وفي موضوع العلاقات الدولية والعلاقة بأمريكا خصوصا تقبل الحركتان, بل تطالبان بالحوار مع واشنطن, وهي التي تعلن مواقف استراتيجية وثابتة بدعم إسرائيل, والانحياز الدائم لها. ومن يقبل بالتحاور مع دولة فإنه يصنفها, ضمنا, طرفا محايدا, أو إيجابيا.
وفي موضوع التداول على السلطة والقبول بمرجعية الشعب الفلسطيني، يقبل الطرفان بذلك, ولو نظريا, على الأقل, ويلتزم الطرفان بالقبول بنتائج العملية الانتخابية, مهما خالفت تلك النتائج مبادىء أي منهما ومواقفه الخاصة.
ويبقى موضوع المقاومة؛ وليست الحركتان بعيدتين, كما قد يُظن, في هذه القضية, أيضا؛ إذ ما زالت حركة فتح تستبقي خيار المقاومة, وإن كانت لا تفعِّله, إلا على نطاق محدود, وكذلك, حماس في ظرفها الحالي في غزة, آثرت أن لا تفعَّله. ولكل أسبابه وتبريراته.
الملحوظ أن الخلاف بين فتح وحماس هو في الدرجة أكثر مما هو في الجوهر, وأما المرجعية الإسلامية التي تقول بها حماس, فليست بتلك المرجعية الصارمة, وإنما تخضع للتقديرات القيادية والمؤسسات ( الشورية) والمصالح العليا, أو الحركية.
طبعا, نحن, لا نتحدث, عن مقارنة بين السلطة في رام الله وحكومة حماس في غزة, فذلك شأن مختلف, وإنما نقصر حديثنا على مواقف الحركتين, وهما اللتان تديران الحوار منذ فترة في القاهرة.
وبعد كل هذه المشتركات، يحق للمواطن أن يسأل: علام يختلفون، إذن؟
وثمة سؤال موجه إلى حركة حماس, بعد تجربتها في غزة والحصار الخانق, ثم الحرب العداونية على غزة, وبعد أن تكشفت المبالغة في التعويل على ما يسمى بالبعد الإسلامي والعربي الذي لم يخرج عن المواقف الدولية، بعامة, والأمريكية بخاصة؛ علامَ تعوِّل حماس, واقعيا؟
وهذا مطلوب, ولا يُنسف بالتوكل على الله ومعاني الصمود والصبر, فهي معانٍ صحيحة, ولكن من يتسلم مقدرات الناس, ويتولى المسؤولية عنهم يجب أن يمتلك القدرة على ذلك, وقد تضطر إلى أن تحشر نفسها بين خيارين؛ إما استمرار المعاناة والجوع في غزة, أو القبول بالشروط الدولية؛ لاكتساب الشرعية الدولية التي لا تبدو حركة حماس متجاهلة لها