الكاتب: الشيخ أحمد شوباش
يطلق كثير من الناس على الإعلام والصحافة السلطة الرابعة ، وذلك في ترتيبه من حيث تأثيره واستخدام وسائله في توجيه الرأي العام بعد السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، وفي حين يرغب أصحاب فكرة في بثها للجمهور ، ولا يجدون وسيلة إلى التنفيذ ، فإنهم يلجأون عادة إلى الإعلام ووسائله المرئية والمقروءة والمكتوبة بمختلف تطورها وتقنياتها العالية اليكترونياً وفضائياً وغيره لإقناع الشارع بها أو التأسيس لتنفيذها .
والإعلام كوسيلة لها سلطتها في التأثير سلاح ذو حدين ، فأدواته قد تؤدي رسالة إيجابية في المجتمع بتعزيز الفضيلة والايجابيات والخير ومحاربة الرذيلة والفساد والشر ، وقد يؤدي رسالة سلبية هابطة لا تراعي المادة الإعلامية ولا تحترم عقول الناس الذين تخاطبهم ، هدفها سبق إعلامي أو كسب مادي أو إثارة فارغة أو شيء من هذا القبيل .
وفي كل مكان في العالم ، في كل دولة ونظام ووزارة إعلام ، وإذاعات وتلفازات وصحف منها ما هو محلي ومنها ما هو عالمي ، منها ما يخاطب جمهوراً صغيراً ومنها ما يخاطب العالم ، ومنا ما يؤدي رسائل سياسية أو ثقافية أو نحوها من خلال مخاطبة الجماهير والاتصال بهم لتحقيق أغراض وأهداف إعلامية . ونظراً لضخامة جمهور المتلقين وهم في الغالب لا يملكون – أولا يستطيعون ولا يتمكنون – من مناقشة ما يعرضه الإعلام وتحديد الموقف منه إلا من خلال استطلاعات الرأي التي لا تعالج أغلب القضايا ، فإن على الإعلاميين مسئولية كبيرة ودراسة عميقة لما يبث من المواد الإعلامية .
ولعلّي أشعر بالحزن والأسى عند مشاهدة برنامج على قناة فضائية هدفه إثارة الجمهور في نقاش عقيم غالباً أو لا تحترم فيه أسس ومبادئ الحوار والمناظرة ، وفي كل حلقة يزرع حقداً بين اثنين من رجال السياسة أو العلم أو من ينسب إلى شيء من ميادين الحياة بل قد يسهم في تقسيم الأمة وتعميق خلافاتها التي توجد في كل أمة لكنها لا تعالج بمثل هذا الطريقة العقيمة .
ولا شك أن الإعلام من أخطر وأشد الأسلحة التي تهاجم أعداداً كبيرة جداً من الناس ، وهو طاقة كبيرة وخطيرة ، ومسئوليتنا الأخلاقية تحتم علينا أن نستفيد من منابر الإعلام ونحسن توظيفها في خدمة الأمة والوطن والمجتمع .
والمرفوض تماماً أن يوظف الإعلام لإثارة غرائز دنيئة ورغبات مادية ، سبيل إشباعها تحكمه أحكام ونصوص شرعية حتى يكون حلالاً، وغير مقبول أيضاً أن يوظف الإعلام في ترويج الأكاذيب والضلالات و التشويهات والخداع والعدائية بين أبناء الأمة والشعوب ، وفي تصيد الأحداث التي تنتقص الآخر وتسوِّد صورته وصفحته ، وتنبئ عن حقد دفين ، يدل على أن القائمين على هذه القناة أو تلك أو هذا الموقع أو ذاك يسعون إلى تحقيق أهداف شخصية أو حزبية أو دونية .
لقد عرف العالم من زمن بعيد أسلوب الدعاية المشبوة والأفكار الزائفة المضللة ، فأنكر عليهم العقلاء وأصحاب الفطر السليمة ، ولن ينفع أي وسيلة إعلامية ذريعة الاعتذار للجمهور أنهم مضللون أو أنهم وسيلة بث فقط ، وغير مسئولين عما يبث ، فإن المسئولية الدينية والأخلاقية لمهنة الإعلام والمحاسبة في الدنيا والآخرة ستشملهم .
إن مهنة الإعلام كما تحكمها قواعد وأسس ، وتدرس في الجامعات كتخصص بمختلف المستويات والدرجات العلمية ، ويطلع فيه الدارس والمهتم على مصطلحات الصحافة والإعلام والمهام المتعلقة بهما ، وأنواع الصحافة ومنابع الأخبار ووكالات الأنباء وأشكال التحرير وأقسام الصحيفة والتحقيق الصحفي وإخراج الصحيفة والمونتاج إلى جانب مختلف التفاصيل بالعمل الإعلامي الإذاعي والمرئي وغيره ، فإن الإعلام كمهمة ومهنة يجب ألا ينفك أو ينفصل عن الأخلاق التي يجب مراعاتها وتطبيقها .
فالصدق والأمانة في تحري الخبر ونقله ، والحكمة وحسن اختيار العبارات عند بثه ، وتجنب التهم الزائفة بالتفسيق والتخوين والتكفير هو منهج المصلحين حقيقة . وإن واجب الإعلام الوطني المنتمي لأمته أن يتجنب المهاترات والتركيز على المنازعات لينتقل إلى قول الحق والتواصي به بين أبناء المجتمع وعلاج الظواهر الخطرة وتحصين أبناء الأمة ضد الأفكار الهدامة ، وتثبيت الشعب في أرضه ودعم صموده وخدمة قضيته ، وتعريف الأمة بما يُصلحِ دينها ودنياها في شتى ميادين الحياة حتى يصلح حال الإنسان مع ربه ونفسه والمجتمع الذي يعيش فيه .
إن الإعلام المسئول يدرك أنه بزلِّة لسان أو بكلمة لا يلقي لها بالاً قد يحدث في الأمة شرخاً أو حقداً يحتاج إلى جهود وجهود لعلاجه .
إن الصحافة التي تحترم جمهورها تقدم الخبر الصادق بشكل متكامل ، من غير اقتطاع الجزء الذي تريده لاستغلاله في أهدافها الخاصة ومن غير احتكار الأخبار بذكر ما تؤيد القائمين على الصحافة ، وإعطاء الوقت للموافق والقطع على المخالف ، والصحافة المهنية موضوعية حيادية وواضحة يفهمها المختصون والعامة .
وفي حالة قيام الإعلام بدور الناقد فلا بد أن يكون النقد مستقلاً وبهدف الصالح العام ، كما ينبغي أن تسهم الصحافة وتشارك في عملية التنمية والتطوير الوطني .
وفي الختام فإن المسئولية الإعلامية تعتبر مهنة وممارسة يجب أن تحكم بالأخلاق الفاضلة ، وأن يكون الباعث عليها مصلحة الأمة والوطن ، ويحكمها الصدق والأمانة والمعايير والقواعد الأخلاقية والمهنية ، وهدفها مصلحة الفرد والمجموع بحسب الأصل .